ذهب بعض مفسرینا إلی أن نفس الآیة تدلّ علی حصر التطهیر فی أهل البیت من غیر إحتیاج إلی دلیل آخر خارج من الآیة . فبعض هولاء إستدلّ علی هذا بمجیء لفظة « إنما » .

و قد مضی ما فیه من أن « إنما » هذه لا تدلّ علی کون اهل البیت مقصورا علیه بل المقصور علیه هو إرادة الله لإذهاب الرجس عنهم و تطهیرهم .

و بعض آخر من علمائنا ذهبوا إلی أن فی الآیة حصران . حصر فهم من لفظة « إنما » و حصر فهم من مجیء ترکیب « اهل البیت » الإضافی. قال العلامة الطباطبائی رحمة الله علیه: « قوله تعالى: «إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً» کلمة «إِنَّما» تدل على حصر الإرادة فی إذهاب الرجس و التطهیر و کلمة أهل البیت سواء کان لمجرد الاختصاص أو مدحا أو نداء یدل على اختصاص إذهاب الرجس و التطهیر بالمخاطبین بقوله: «عَنْکُمُ»، ففی الآیة فی الحقیقة قصران قصر الإرادة فی إذهاب الرجس و التطهیر و قصر إذهاب الرجس و التطهیر فی أهل البیت. » [ المیزان ، 1417 ، 16 /309] .

قد أجاد العلامة رحمة الله علیه  فی کیفیة استظهار الحصر من لفظة « إنما »  لکن علی استظهاره الحصر من کلمة
 « أهل البیت » ملاحظة.  بیان ذلک: فی إعراب « أهل » وجوه :

الأول : أنه انتصب علی المدح

الثانی : أنه انتصب علی الإختصاص

الثالث: أنه انتصب علی النداء

الرابع: أنه مجرور علی البدلیة من ضمیر المخاطب

قال محی الدین الدرویش:«أهل البیت نصب على الاختصاص للمدح أی أخص أهل البیت و لک أن تجعله منادى محذوف الأداة أو على البدل من الکاف، و اعترضه المبرد بأنه لا یجوز البدل من المخاطب‏ »[ اعراب القرآن و بیانه ،1415، 8 / 10 ] .  

ثم اعلم ؛أنّ الوجه الرابع مضافا الی ضعفه و عدم القرائة به لا یکون فیه المبدل منه أی « کم» مقصورا علیه حتی تکون البدل أی « أهل » فی حکمه و أمّا کل من الوجوه الأُوَل أی باب المدح و الإختصاص و النداء فلا یعدّ من الأسالیب الحصرعند النحاة و البیانییّن . أمّا باب المدح و النداء فواضح و أمّا باب الإختصاص فلأنه فی الحقیقة نداء استعمل فی غیر معناه الأصلی [ مختصر المعانی ، بی تا ، باب الإنشاء/ 142]  و الغرض منه بیان و ایضاح الضمیر الذی قبله قال احمد الهاشمی: « و الإختصاص هو ذکر اسم ظاهر بعد ضمیر لأجل بیانه »
[ جواهر البلاغة ، 1425 / 88] .

ولذا قیل فی وجه انتصاب « أهل البیت » فی قوله تعالی " قالُوا أَ تَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَکاتُهُ عَلَیْکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِید [ هود / 11 ] " : و المقصود من النداء التنویه بهم و یجوز کونه اختصاصا لزیادة بیان المراد من ضمیر الخطاب‏ [التحریر و التنویر ، بی تا ،11 /289 ] .

ثم اعلم تلک الضمیر الذی یراد ایضاحه بالإختصاص یجب أن یکون غیر الغائب [ النحو الوافی ، 1426 ، 4 / 115 ] لأن الضمیر الغائب یرتفع عنه الإبهام بذکر مرجعه قبله بأنحائه .

زیادة بیان:

 قال عباس حسن : « یقول الشاعر:

وأنا ابنُ الریاض، والظل، والما      ءِ ودادی ما زال خیر ودادِ

فمن هذا المتکلم؟ وما مدلول هذا الضمیر الدال على التکلم؟ أهو شاعر، أم ناثر، أم عالم، أم زاهد؟...، ما جنسه؟... إن الضمیر: "أنا" لا یسلم من غموض یحتاج معه إلى اسم ظاهر من نوع خاص؛ یزیل هذا العیب؛ کأن یقال: "أنا -الشاعر- ابن الریاض"، أو: "أنا -الشرقی- ابن الریاض"... فمجیء هذا الاسم الظاهر، المعرفة، المعین، الواضح، الذی معناه معنى الضمیر قبله -قد أزال عنه عیب العموم والإبهام.» [ نفس المصدر/ 114 ] .

فشأن الإسم الظاهر فی باب الإختصاص شأن مرجع الضمیر فی رفع الإبهام عن الضمیر و أیضاحه. فمثلا اذا سمعت أن النبیّ صلی الله علیه و آله قال: « إنّا ... لَحِمُون » [ الکافی ، 1365هـ ش ، 6 / 309] و ایضا قال : « إنّا ... أُمِرنا أن نکلّم الناس علی قدر عقولهم » [ نفس المصدر، 1 / 10 ]  سئلت فی نفسک من أیّ جهة نسب النبیّ الحکم الی نفسه؟ أ هی من جهة أنه نبیّ أم من جهة أنه عرب أم من جهة أنه قرشیّ أم ... أم ... ؟

 فالمسند الیه علی رغم کونه معرفة فی أعلی مراتب المعارف لکونه ضمیرَ المتکلم ، مبهم و عامّ من تلک الجهات . أمّا لو سمعت أنّه قال: « إنّا معاشرَ قریشٍ لحمون » و قال : « إنّا معاشرَ الأنبیاء أُمِرنا أن نکلّم الناس علی قدر عقولهم» لزال الإبهام و وضح المراد و انحصر جهة المسند الیه فی جهة واحدة دون جهات أخری. و هذا هو مراد عباس حسن من القصر حیث قال : «  الغرض الأصلی من الاختصاص الاصطلاحی هو: التخصیص والقصر. » [ النحو الوافی ، 1426 ، 4 / 116 ] لا القصر الذی اُدُّعِی فی الآیة و هو قصر اذهاب الرجس و قصر التطهیر فی أهل البیت.  .ولذلک أجاز أن قدّرنا فعلا غیر کلمة « أخصّ » مثل « أعنی أو أقصد أو أرید... أو ما شاکل هذا » إلا أنّ فعل « أخصّ » هو المشهور.[ نفس المصدر، هامش رقم 1] 

 فعلی هذا؛ کلمة «اهل البیت» جیء بها لزوال الإبهام الذی کان فی ضمیر « کم» .لأنّ الضمیر بدونه ذوجهات مختلفة نحو : کون المخاطبین مکیّا أو مسلمین أو أعرابا أو اهل بیت النبیّ أو ... أو ... فرفع الله سبحانه هذا الإبهام بذکر واحدة  من هذه الجهات و هی اهل البیت . فَقَصَرَ الضمیر فی هذه الجهة و ردّ بقیّتها.  اعنی أفهمنا الله أنّه أراد من ذلک الضمیر؛ المخاطبین من جهة أنّهم اهل بیت النبوة لا من جهة أنهم مسلمون أم اعراب أم قرشیّ أم مدنیّ أم مکیّ أم ...

فتلخصّ ممّا ذکرنا أن ذکر « اهل البیت» فی الآیة لاتدلّ علی القصر الذی اُدُّعِی فیها و هو قصر اذهاب الرجس و قصر التطهیر فی أهل البیت. 

نعم اذا أردنا توجیه کلام العلامة نقول : لعل غرضه أن أسلوب الإختصاص جیء به لأجل المعانی الثانوی و هی بیان الحصر الإصطلاحی . لکنّ هذا ممّا یحتاج الی القرینة و العلامّة لم یقم علیه قرینة لا من الآیات و لا من الروایات .

                                      ((ادامه مطلب را در یاداشت پائین بخوانید))